التنويم الإيحائي (هيفنوزا)


التنويم المغناطيسي Hypnosis أو التنويم الإيحائي (هيفنوزا) هو حالة ذهنية وهادئة ومسترخية, ففي هذه الحاله يكون الذهن قابل بشكل كبير للأقتراحات والإيحاءات. التنويم الإيحائي هو حالة طبيعية جدا, ويمكن القول بأن كل شخص سبق ومر بتجربة كهذه. فعندما تستغرق في قراءة كتاب معين, وعندما تركز كل التركيز بمشهد أو فيلم معين, وعندما يغرق ذهنك بالأفكار والتركيز بموضوع معين.. الخ.. فهذه كلها حالات طبيعية من التنويم الإيحائي, حيث ينصب التركيز الذهني الشديد الذي يضع كل الأشخاص والأشياء من حولك خارج نقطة التركيز تلك. وقد لعب التنويم المغناطيسي لآلاف السنين دورا كبيرا في مجال الشفاء والمداواة. فحسب "منظمة الصحة العالمية" 90% من عامة السكان قابلين للتنويم الإيحائي .

أهميته في العلاج

الأهمية الحقيقية من التنويم الإيحائي في حالات العلاج هي في أنه عندما يكون الذهن في حالة التركيز والأسترخاء العالي, يكون العقل مفتوحاً وقابلاً للأقتراحات والأيحاءات الأيجابية والمشجعه, وعندها تتمكن هذه الأقتراحات والأيحاءات من التغلغل والترسخ في العقل بسهولة وليونة أكثر, لتأخذ مفعولها بشكل أفضل وأسلم.[1]

التنويم الإيحائي أو المغناطيسي هو واحد من مباحث علم النفس, أول من استخدمه هم المصريون القدماء ثم اليونانيون والبابليون و لكن أعاد اكتشافة في العصر الحديث الطبيب السويسري فرانز انطوان ميسمر في القرن الثامن عشر عندماأستخدمه لتخدير مرضاه,وقد أعتقد الناس أن ما يفعله ميسمر هو نوع من السحر والشعوذة, وقد قامت المنظمة الطبية في فيينا من حرمانه من عضويتها.

يستخدم الآن الأطباء النفسيين التنويم الإيحائي لعلاج مشاكل الأعصاب والأرق والصداع وإدمان الكحول أو المخدرات.

كيفية التنويم


تعتمد بعض طرق التنويم الإيحائي على أن المنَوّم _(مفعول به-الشخص الواقع تحت التنويم المغناطيسي)_ يبدأ في التركيز البصري على شيء محدد (نقطة معينة أو بندول) وينصت إلى صوت المنوِّم (فاعل-القائم بعملية التنويم) حتى يغمض جفنيه وتسترخي كل عضلات جسمه متتبعا في ذلك كل التعليمات الصادرة اليه. و يصبح صوت المنوِم (فاعل) هو المسيطر الوحيد على شعور ووعي المنوَّم (مفعول به) ايحائيا - ولكن ثبت علمياً أن المنوَّم (مفعول به) لايزال هو المسيطر على حالته ويستطيع إن ينهي عملية التنويم في أي وقت يشاء حتى وإن عارض تعليمات وإقتراحات المنوِّم(فاعل).



تجدر الأشارة هنا بأن التنويم الإيحائي هو ليس عملية سيطره على العقل, ولا عملية غسل الدماغ, ولا سحر أسود ولا أي نوع من أنواع الشعوذه. فالمنوَم (فاعل) لا يملك قدرات خارقة أبداً. فالتنويم الإيحائي هو عملياً تعاون بين المنوّم والواقع تحت التنويم وذلك يتم فقط بعد موافقة المنوّم (مفعول به). والوظيفة الوحيدة للمنوّم (فاعل) هي فقط ارشاد المنوّم (مفعول به) للتركيز والأسترخاء وتوجيه الأفكار خلال عملية التنويم. [2] والشخص الواقع تحت التنويم المغناطيسي لا يقوم باي عمل لا يريده حيث لا يمكن اجباره على القيام بأعمال تخالف قيمه ومعتقداته.

من تطبيقات التنويم الإيحائي
تخفيض الوزن
الإقلاع عن التدخين
تطوير الذات
تقنيات الاسترخاء
تحسن التركيز
تطوير عادات الدراسة
التهيؤ للاختبار والتغلب على قلق الاختبار
تحسن القدرات الرياضية
تسريع القراءة
تحسين الإبداعية
تحسين أداء البيع
التنويم الذاتي .
الثقة بالنفس
التسويف والمماطلة
قضم الأظافر
التراجع بالعمل .
الصحيح والخاطئ عن التنويم المغنطيسي


مع أن التنويم المغنطيسي كثيرا ما وُصم بالدجل،

فقد تبين أنه ظاهرة حقيقية ذات تشكيلة متنوعة من

الاستخدامات العلاجية، وبخاصة التحكم في الألم


إنك تنعس، إنك شديد النعس

في صالة من العهد الڤيكتوري، رجل يرتدي صدرية ويؤرجِح ساعة جيبه جيئة وذهابا في وجه امرأة شابة جالسة أمامه وهي تشخص بناظريها محدِّقة بالساعة ومتابعة مسير حركتها النواسية. وما هي إلا لحظات حتى تخرّ مسترخية في كرسيِّها، وهي مغمضة العينين تجيب عن أسئلة المنوِّم المغنطيسي برتابة شديدة.

ولا بد أن كلا منا قد رأى مشهدا كهذا لتنويم مغنطيسي على شاشة السينما أو التلفاز. وفي الواقع، فما إن تلفظ كلمة «تنويم مغنطيسي» حتى يتبادر إلى ذهن العديد من الناس ساعات الجيب. ولكن الشائع اليوم بين المنوِّمين المغنطيسيين الاكتفاء بالطلب إلى الشخص الذي ينومونه أن يحدِّق النظر إلى جسم صغير ساكن (مثل مسمار على الحائط) أثناء «تمتمة الاستمالة» induction patter التي تتألف عادة من كلمات مهدئة عن الاسترخاء وإيحاءات بالتركيز.

ولكن هل التنويم المغنطيسي ظاهرة حقيقية؟ إذا صح ذلك، فما هي فائدته؟ على مدى السنوات القليلة الماضية وَجَد الباحثون أن الأشخاص المنوَّمين يستجيبون فعليا للإيحاءات مع أنهم يدركون أحيانا التغيرات المثيرة التي يتعرضون لها في فكرهم وسلوكهم وكأنها تحدث من ذاتها. فكأن الدماغ أثناء النوم المغنطيسي يعلِّق مؤقتا محاولاته توثيق المعلومات الحواسية الواردة إليه. ونشير هنا إلى أن بعض الناس يكونون أكثر من غيرهم قابلية للخضوع للتنويم المغنطيسي، مع أن العلماء مازالوا لا يعرفون سبب ذلك. ومع هذا يجد التنويم المغنطيسي استخدامات طبية في التحكم في الألم المُزْمن وفي التصدي للقلق، وحتى في مساعدة المرضى على الشفاء السريع بعد عملية جراحية.

وفقط في السنوات الأربعين الماضية صار لدى العلماء أدوات وطرائق للتمييز بين حقائق التنويم المغنطيسي وادعاءاته المبالغة. ولكن دراسة ظاهرة التنويم المغنطيسي تتصدر اليوم مجال العلوم المعرفية العادية عبر مقالات منشورة في بعض المجلات الطبية والعلمية المرموقة. وبالطبع لم تختف مشاهد مثل التنويم المغنطيسي المسرحي لأغراض التسلية، ولكن المكتشفات الحديثة توضح كيف تستطيع قوة الإيحاء من خلال التنويم المغنطيسي (إذا ما استُخدمت بشكل صحيح) أن تغير سيرورات معرفية متباينة مثل الذاكرة والإحساس بالألم.


ما هو التنويم المغنطيسي

بالاستناد إلى الدراسات التي تستخدم روائز ستانفورد، يتفق الباحثون ذوو الطروح النظرية المختلفة على بضعة مبادئ أساسية للتنويم المغنطيسي. ويتمثل أول هذه المبادئ في أن قابلية شخص ما للاستجابة للتنويم تبقى ثابتة بشكل لافت للنظر بعد سن البلوغ. وفيما يمكن أن يكون أجسر توضيح لهذا الاعتقاد، أظهرت إحدى الدراسات أن الأفراد الذين اختبرهم الباحث هيلگارد أحرزوا الدرجات نفسها على مقياس ستانفورد التي سبق لهم أن أحرزوها قبل 10 و 15 و 25 سنة. وقد بيَّنت الدراسات أن درجة شخص ما على مقياس ستانفورد تبقى ثابتة على مر الزمن، كما هي الحال، أو أكثر، بالنسبة إلى معامل ذكائه (IQ). يضاف إلى ذلك ما تشير إليه الدلائل من أن الاستجابة للتنويم يمكن أن تكون ذات مكوِّن وراثي: فالتوائم المتطابقة أكثر احتمالا من التوائم الأخوية المتماثلة الجنس بإحرازها الدرجة نفسها من درجات ستانفورد.

وكذلك تبقى استجابية الشخص للتنويم ثابتة إلى حد ما مهما تكن خصائص المنوم: أي إن جنس هذا المنوِّم (ذكرا كان أو أنثى) وعمره وخبرته لها تأثير ضعيف، أو ليس لها أي تأثير في قابلية شخص من الأشخاص للتنويم. وكذلك فإن نجاح التنويم المغنطيسي لا يعتمد على ما إذا كان الفرد المنوَّم مُحفزا بشدة أو إنه شديد الرغبة في ذلك. فالشخص الشديد الاستجابية يتنوَّم بفعل تشكيلة منوّعة من الشروط التجريبية والوقائع العلاجية، خلافا للشخص الأقل منه استجابية وذلك مهما كانت جهوده لتحقيق ذلك. (ومع هذا فإن المواقف والتوقعات السلبية قد تشوش سيرورة التنويم المغنطيسي.)

لا يستغرق تحريض النوم المغنطيسي وقتا طويلا: فبتحديق النظر إلى بقعة على الحائط والإصغاء إلى الصوت المهدئ من قبل المنوم المغنطيسي تتحقق الخدعة لدى معظم الناس.

هذا وقد بينت بضع دراسات أن القابلية للتنويم المغنطيسي hypnotizability لا تتعلق بالصفات المميزة للشخص المنوَّم من سذاجة وهستيريا واعتلالات نفسية ووثوق بالنفس وعدوانية وخنوع وتخيل وإذعان. ولكن جرى إلى حد ما ربط هذه القابلية باستعداد الفرد للاستغراق في فعاليات معينة، مثل القراءة والإصغاء للموسيقا وأحلام اليقظة.

لا يسلك الأفراد تحت تأثير التنويم المغنطيسي كآلات ذاتية الحركة، بل يكونون عوضا عن ذلك حلالين إيجابيين للمشكلات يدمجون أفكارهم الثقافية والأخلاقية في سلوكهم أثناء بقائهم على أشد الاستجابية للتوقعات التي يعبر عنها المنوِّم. ومع ذلك، فإن الفرد المنوَّم لا يعيش السلوك الموحى إليه تنويميا على أنه شيء ينجزه بجهد منه، بل يحسبه على العكس تصرفا نمطيا عفويا. وغالبا ما يقول من جرى تنويمهم أشياء، مثل: «لقد صارت يدي ثقيلة ونزلت من ذاتها» أو «وجدت نفسي فجأة لا أشعر بألم.»

ويعتقد العديد من الباحثين اليوم أن هذه الأنماط من الانفصالات disconnections هي لب التنويم المغنطيسي. ففي الاستجابة للإيحاء، يؤدي المنوَّمون مغنطيسيا حركات من دون وعي ويخفقون في اكتشاف المنبِّه المؤلم بشدة وينسون بشكل مؤقت إحدى الحقائق المألوفة لديهم. وبالطبع، تحدث هذه الأنواع من الأمور كذلك خارج التنويم المغنطيسي(في الحياة اليومية أحيانا وعلى نحو أكثر وقعا في اضطرابات عصبية وطبية نفسية معينة.)

وباستخدامهم التنويم المغنطيسي، استطاع العلماء إحداث هلوسات وأشكال من الإكراه وأنماط معينة من فقدان الذاكرة، وإثارة ذاكرات زائفة وأوهام لدى المنوَّمين في مختبراتهم، وهكذا يمكن دراسة هذه الظواهر في وسط نستطيع التحكم في شروطه.

ما الذي تعرفه عن التنويم المغنطيسي?

وفي عام 1997 شرع
[من جامعة مونتريال] وزملاؤه بتحديد البنى الدماغية التي تضطلع بتخفيف الألم أثناء التنويم المغنطيسي. وقد حاولوا تحديد مواقع البنى الدماغية التي تقترن بعنصر المعاناة من الألم باعتباره مستقلا عن النواحي الحسية. فباستخدام التصوير PET، وجد العلماء أن التنويم المغنطيسي يقلل من نشاط القشرة الحزامية الأمامية (المعروفة بكونها باحة معنية بالألم) ولكنه لا يؤثر في نشاط القشرة الحسية الجسدية التي تُجرى فيها معالجة الإحساس بالألم. لكن على الرغم من هذه النتائج، فلاتزال الآليات الناظمة للتخلص من الألم عن طريق التنويم المغنطيسي غير مفهومة جيدا. ويتمثل النموذج الذي يستحسنه معظم الباحثين في أن التأثير المُفْقِدَ للشعور بالألم في التنويم المغنطيسي إنما يحدث في المراكز الدماغية العليا وليس في المراكز المعنية بتسجيل الإحساس بالألم. ويفسر ذلك حقيقة كون معظم الاستجابات الذاتية(الأوتوماتية) التي ترافق الألم بشكل روتيني (مثل ازدياد عدد ضربات القلب) لا تتأثر نسبيا بالإيحاءات للمنوَّم مغنطيسيا بعدم إحساسه بالألم. ولكن ألا يمكن أن يكون الناس مجرد مفتعلين أنهم نوِّموا مغنطيسيا؟ ثمة دراستان رئيسيتان نحّتا هذه الشكوك جانبا. لتعرّف التنويم المغنطيسي عن كثب من قبل مجلة ساينتفيك أمريكان، خضع ستة من هيئة هذه المجلة لتجربة التنويم على أنفسهم هنا في ساينتفك أمريكان نفاخر بشكوكيتنا تجاه العلم الزائف pseudoscienced وبإصرارنا اللاهث على بحوث رصينة. ولذلك فإننا حينما دعونا [من جامعة تينيسي] لكتابة هذه المقالة عن الأساس العلمي للتنويم المغنطيسي، حذرناه من أننا سنُعرّضه في هذا الصدد لامتحان صعب، وهذا ما فعلناه. ولكن أثناء تحرير المقالة أخذنا نتساءل: أليس هذا شيئا يجب علينا تجربته؟ وكم واحدا منا سيتنوَّم؟ لقد دعونا ناش وعالم النفس الباحث إلى نيويورك كيما نرى من مصدره الأصلي ماذا يشبه التنويم المغنطيسي. ورغب ستة من أعضاء هيئة التحرير (ثلاثة رجال وثلاث نساء لم يجر تنويم أي منهم من قبل) بالدخول في التجربة. وقد أدهشنا ما وجدناه. أعد ناش وبنهام مكتبين هادئين لتنويمنا مغنطيسيا. وتولى كل منهما تنويم ثلاثة منا بشكل إفرادي وقد استغرق ذلك نصف ساعة لكل فرد. وطبّقا علينا مقياس ستانفورد للقابلية التنويمية الذي يَحسب استجابيةَ الفرد ما بين 0 و 12 درجة. لقد فوجئنا بتفاهة الخبرة التنويمية إلى حد بعيد، إذ اكتفى كل من ناش وبنهام(في تحريضهم التنويم) بالطلب إلينا أن نحدق النظر إلى علامة مميزة صفراء على الحائط، وتحدثا إلينا بصوت هادئ عما ينتابنا من استرخاء وعما تبديه عيوننا من تعب متزايد. فقد قرآ علينا العبارتين التاليتين من مخطوطة ستانفورد: «يشعر كامل جسمكم بثقل يتزايد ويتزايد» و «بدأتم تشعرون بنعس يتزايد ثم بالنوم. لقد غدوتم أكثر نُعاسا ونوما وازداد ثقل جفونكم.» واستمرت هذه الدمدمة المهدئة نحو 15 دقيقة أغلق فيها جميعنا(عدا واحد منا) عينيه (أو عينيها) من دون أن يُطلب إلينا ذلك مباشرة. يعي الناس ما يفعلونه أثناء النوم المغنطيسي مع أن أفعالهم تتم لاإراديا. وقد ضحك بعضنا من عدم استطاعتنا ذكر أسمائنا أو فتح عيوننا بفعل الإيحاء بذلك في أثناء نومنا المغنطيسي. يتألف مقياس ستانفورد من 12 فعالية مختلفة تتراوح بين محاولة المرء فك أصابعه المتشابكة، والشعور بإنزال ذراعه المرفوعة بشكل لاإرادي، وبين الهلوسة بسماعه أزيز حشرة. لقد أحرزنا نحن الستة الدرجات التالية: واحد 8، واحد 7، واحد 6، اثنان 4 وواحد 3 درجات. ونشير هنا إلى أن الدرجات ما بين (4-0) تعبر عن قلة قابلية التنوّم، في حين تعبر الدرجات ما بين (7-5) عن وسطية قابلية التنوم، وتعبر الدرجات (12-8) عن ارتفاع قابلية التنوم. ونشير هنا إلى أن ما من أحد منا تكهن بشكل صحيح كم ستكون درجة قابليتنا للنوم المغنطيسي: فالبعض الذين حسبوا أنفسهم بين من يسهل تأثرهم بالإيحاء تبين ضعف تنومهم، على عكس آخرين حسبوا أنفسهم بين الحالات المتماسكة ففوجئوا أن رأوا ذراعيهم الممتدتين تتلاقيان لا إراديا أو رأوا فمهم مطبَقا لا يقوى على نطق اسمهم. كان لدينا جميعا إحساسُ «ترقُّب» وأحيانا «تفكُّه». وقد استذكر أحدنا قائلا «صحيح إنني كنت أعرف اسمي ولكنني لم أكن أستطيع تحريك فمي؛ وذكر آخر بأنه كان يشعر بأصابعه ملتزة أثناء أدائه تمرين «ضب الأصابع» finger-lock حيث قال «كانت أصابعي في بداية الأمر تتباعد بسهولة كافية، ولكن بعد ذلك انتهت إلى تضام شديد.» واحد منا فقط حقق الدرجة 12 على مقياس ستانفورد المتمثل في فقدان الذاكرة التالية للنوم المغنطيسي. في هذا التمرين يُخبر المنوِّم من ينوِّمه ألا يتذكر ما حدث أثناء جلسة التنويم. وهنا قال عضو هيئة التحرير الذي عانى هذا الإحساس: «في كل مرة كنت أحاول أن أتذكر؛ كان الشيء الوحيد الذي يتبادر إلى ذهني هو أن عليَّ ألا أتذكر؛ ولكن حين قال الدكتور بنهام إنه بإمكاني أن أتذكر استرجعت كل التفاصيل». وبشكل عام، كانت تجربتنا هذه أقل توجسا مما كنا نتوقع. فكان شعورنا أشبه بالسقوط في إغفاءة خفيفة بعد الاستيقاظ صباحا ولكن مع البقاء في الفراش. وقد وجد جميعنا أننا أحسسنا بأننا كنا أقل تنوما في بعض مراحل جلسة التنويم منه في المراحل الأخرى. وكأننا اقتربنا من «السطح» لبضع دقائق ثم انزلقنا تحته مجددا. وباختصار فقد استنتجنا أن «العبرة» حين يتعلق الأمر بالتنويم المغنطيسي، وربما يصح أن نقول إن «العبرة بالسمع» :فقد سمعتُ الذبابة الوهمية وضربتُها بمنشّتي. ففي عام 1971 أجرى و [من جامعة پنسلڤانيا] تجربة بارعة أطلق عليها اسم «المنوِّم المغنطيسي المتخفي» قارنا فيها بين استجابات مجموعتين من الأفراد: تتألف إحداهما من أناس يعرفون عن أنفسهم أنهم قابلون للتنويم حقا، في حين تتألف الأخرى من أفراد قالوا إنهم يتظاهرون بأنهم نوِّموا مغنطيسيا. وكان القائم بالتجربة لا يعرف أيا هي المجموعة التي أدت إجراء تنويميا روتينيا توقف فجأة بسبب انقطاع مفتعل للطاقة الكهربائية؛ ولدى مغادرة القائم بالتجربة الغرفة كي يتحرى ما جرى أوقف المتظاهرون بالنوم زيفهم، إذ فتحوا عيونهم وجابوا الغرفة بأنظارهم وأسقطوا جميع جوانب تظاهرهم؛ أما المفحوصون المنوَّمون بالفعل فلم ينهوا نومهم بأنفسهم إلا ببطء وبشيء من الصعوبة. يمكن للتنويم المغنطيسي أن يخفف الألم عبر تقليل نشاط الباحات الدماغية ذات الصلة في شعور المعاناة. فهذه الصور المسحية باستخدام التصوير الطبقي بالبث الپوزيتروني (PET) تخص مقاطع دماغية أفقية (في الأعلى) وعمودية (شاقولية) (في الأسفل) وقد جرى التقاطها لدى تغطيس أيدي متطوعين منوَّمين مغنطيسيا في ماء حار. وتُظهر الصور أن نشاط القشرة المخية الحسية الجسمية somatosensory cortex التي تعالج المنبهات الفيزيائية لا تختلف، سواء خضع الفرد لإيحاء تنويمي بأن الإحساس سيكون حارا مؤلما(في اليسار)أو أنه سيكون مؤلما في أدنى الحدود(في اليمين). وعلى النقيض من ذلك، فإن القشرة المخية الحزامية الأمامية anterior cingulate cortex (وهي جزء الدماغ المعني بمعاناة الألم)، كانت قليلة النشاط جدا حين جرى إبلاغ المنوَّمين أن الألم سيكون خفيفا وفي أدنى حدوده (في الأسفل). وكذلك يميل أولئك المخادعون إلى المبالغة في أدوارهم. فلدى توجيه إيحاءات للمفحوصين تَطْلُب نسيان جوانب معينة من الجلسات التنويمية، تكون ادعاءاتهم بعدم التذكر في بعض الأحيان مُرائية ومطلقة على نحو مريب، أو يذكرون ممارسات غريبة قلما يرويها المفحوصون الحقيقيون أو لا يروونها على الإطلاق. فقد فضح و [من جامعة نورث إيسترن] بعض المخادعين باستخدام اختبارات تقليدية لكشف الكذب، ووجدوا أن المفحوصين المنوَّمين الحقيقيين حين يجيبون عن الأسئلة تحت التنويم المغنطيسي فإن استجاباتهم الفيزيولوجية توافق بشكل عام معايير الصدق، في حين لا ينطبق ذلك بالنسبة إلى المخادعين.

التنويم المغنطيسي والذاكرة

ربما لم يُثر التنويم المغنطيسي في إحدى نواحيه ما يفوق في ذلك موضوع الذاكرة المُستردة recovered memory. فقد أقرت العلوم المعرفية بقدرة الناس المقبولة على تمييز ما إذا كانت حادثة ما قد جرت حقا أو أنهم يتخيلونها فحسب. ولكننا في بعض الأحوال نتردد بشأن ذلك. فقد يصدف أن نعتقد (أو نُساق إلى الاعتقاد) بأن شيئا ما قد حدث لنا مع أن ذلك لم يحدث بالفعل. ويبدو أن إحدى الدالات الرئيسية التي يستخدمها البشر للتمييز بين الحقيقة والخيال تتمثل في خبرة الجهد experience of effort. فكما يبدو، عند تكويد encoding ذاكرة ما، تقوم «بطاقة» tag بإشعارنا بمقدار الجهد الذي بذلناه: فإذا وُسمت الحادثة بأنها تضمنت قدرا كبيرا من الجهد العقلي من جانبنا، فإننا نميل إلى تأويلها كشيء تخيلناه. أما إذا وُسِمت الحادثة بأنها تضمنت جهدا عقليا قليلا نسبيا فإننا نميل إلى تأويلها كشيء حدث لنا حقا.

هناك العديد من الدراسات التي تؤيد صحة هذه النتيجة. فعلى سبيل المثال، يمكن بسهولة جعل الأفراد المنوَّمين يسردون روايات مفصلة ومثيرة عن الشهور الأولى لحياتهم، مع أن تلك الأحداث لم تكن قد حدثت لهم بالفعل ومع أن البالغين ليس لديهم القدرة على تذكر طفولتهم المبكرة. وعلى نحو مماثل، فإن الأفراد من ذوي القابلية الكبيرة للتنويم يتصرفون بطريقة شبه طفولية إلى حد ما حين توجه إليهم إيحاءات بالعودة إلى طفولتهم، غالبا ما يكونون انفعاليين جدا وقد يصرون لاحقا على أنهم كانوا بالفعل يعيشون طفولتهم مجددا. ولكن الأبحاث تؤكد أن هذه الاستجابات ليست بحال من الأحوال استجابات طفولية بشكل موثوق، سواء في التحدث أو السلوك أو العاطفة أو الإدراك أو المفردات أو أنماط التفكير. وهذه التصرفات ليست طفولية أكثر من تصرفات الكبار كأطفال. وخلاصة القول، ليس هناك ما يدل على أن التنويم المغنطيسي يتيح للمنوَّم أن يقفز على الطبيعة الأساسية لذاكرة الإنسان وقيودها. ولا يتيح التنويم المغنطيسي لأي شخص أن ينبش ذكريات مضت عليها عشرات السنين، أو أن يُفسد أو يقلب سجل التنامي البشري.

ما يصلح له التنويم المغنطيسي

إذًا، ما الفوائد الطبية للتنويم المغنطيسي؟ في عام 1996 حكمت هيئة تقييم تابعة لمعاهد التقانة الصحية الوطنية في الولايات المتحدة باعتبار التنويم المغنطيسي مُداخلة فعالة لتخفيف آلام السرطان وحالات مزمنة أخرى. وكذلك تشير دراسات سريرية كثيرة إلى أن التنويم المغنطيسي يستطيع تخفيف الألم الحاد الذي يعانيه المرضى أثناء إنضار debridement الحروق ويعانيه الأطفال أثناء رشف aspiration نقي العظام وتعانيه النساء أثناء المخاض. وعلى سبيل المثال، وجد تحليل تم نشره في عدد خاص للمجلة الدولية للتنويم المغنطيسي التجريبي والسريري(2) أن الإيحاءات التنويمية استطاعت أن تخفف الألم لدى 75 في المئة من أصل 933 فردا شاركوا في 27 تجربة مختلفة. وغالبا ما يكون التأثير المخفف للألم بفعل التنويم المغنطيسي كبير القدر، وفي بعض الحالات يفوق أو يضاهي التأثير الناجم عن المورفين.

ولكن جمعية التنويم المغنطيسي التجريبي والسريري تقول إن التنويم المغنطيسي لا يستطيع ولا ينبغي له أن يكون لوحده المداخلةَ النفسية والطبية لأي اعتلال. وسبب ذلك هو أن أي شخص قادر على قراءة نص مع قدر من الإيحاء، يستطيع أن يتعلم كيفية تنويم شخص تنويما مغنطيسيا فالشخص الذي يعاني مشكلة طبية أو نفسية عليه أولا أن يستشير طبيبا لتشخيص هذه المشكلة لديه. ويكون مثل هذا الطبيب أنسب جهة تقرر مع المريض جدوى اللجوء إلى التنويم المغنطيسي، وكيفية إشراك التنويم المغنطيسي في معالجة ذلك الشخص في حال تقرير ضرورة اللجوء إليه.

ويمكن أن تتفوق فعالية التنويم المغنطيسي على العلاج النفسي في بعض الحالات. وقد توصل تحليل آخر تناول نتائج فحص أفراد في ثماني عشرة دراسة منفصلة، إلى أن المرضى الذين تلقوا علاجا سلوكيا معرفيا cognitive behavioral therapy، إضافة إلى التنويم المغنطيسي في اعتلالات مثل البدانة والأرق والقلق وارتفاع الضغط، أبدوا تحسنا فاق ما أبداه المرضى الذين تلقوا العلاج النفسي لوحده بمقدار 70 في المئة. وبعد نشر هذه النتائج، أجاز الفريق المعني في اتحاد النفسانيين الأمريكيين استخدام التنويم المغنطيسي كإجراء مرافق في معالجة البدانة. ولكن هيئة التحكيم في هذا الشأن مازالت لا تقر ذلك الاستخدام في الاعتلالات الأخرى التي تنطوي على مكوِّن سلوكي. ونشير هنا إلى أن المدمنين على المخدرات وكذلك الكحوليين لا يستجيبون جيدا للتنويم المغنطيسي، كما أن الأدلة حول جدوى التنويم المغنطيسي كوسيلة للامتناع عن التدخين مازالت غير حاسمة.

وثمة أدلة قوية، ولكنها غير قاطعة، على أن التنويم المغنطيسي يمكن أن يكون مكوِّنا فعالا في معالجة أوسع شمولا لحالات أخرى. وتتضمن هذه الحالات مجموعة جزئية من أمراض الربو، وبعض الاعتلالات الجلدية وبضنمها الثآليل، ومتلازمة المعى المتخرش، ومرض الناعور، والغثيان المصاحب للمعالجة الكيميائية، وقد جاء ذكر هذه الحالات هنا في ترتيب تقريبي تبعا لسهولة استجابتها للمعالجة عن طريق التنويم المغنطيسي. أما الآلية التي يخفف بها التنويم المغنطيسي هذه الاعتلالات فغير معروفة. ولم تحظ بالتأييد في الوقت الحاضر مزاعمُ كون التنويم المغنطيسي يعزز الوظيفة المناعية في أي حالة سريرية مهمة.

وقبل ما ينوف على ثلاثين سنة تنبأ هيلگارد بأنه كلما زادت المعرفة بالتنويم المغنطيسي انتشارا في المجتمع العلمي، ازداد استخدام الباحثين لهذه التقنية كأداة روتينية في دراسة حالات أخرى مهمة مثل الهلوسة والألم والذاكرة. وقد تنبأ أيضا بأن الاستخدام السريري للتنويم المغنطيسي، الذي يتأصل في العلم على هذه الشاكلة، سيغدو ببساطة شيئا عاديا لمعالجة المرضى الذين يعانون مشكلات مخصوصة. ومع أننا لم نبلغ اليوم هذا التوقع، فقد تخطى التنويم المغنطيسي مع ذلك ساعة الجيب المتأرجحة.

المؤلف

Michael R. Nash

أستاذ مشارك في علم النفس بجامعة تينيسي ورئيس تحرير المجلة الدولية للتنويم المغنطيسي التجريبي والسريري. حصل على الدكتوراه من جامعة أوهايو عام 1983 واستكمل المعاودة (الإقامة) intership السريرية بكلية طب جامعة ييل في العام ذاته. نشر كتابين: أحدهما حول الأسس البحثية للتنويم المغنطيسي والثاني حول التحليل النفسي، وذلك بالتعاون مع[من جامعة شيكاگو] في كلا الكتابين. كما نشر أكثر من 60 مقالة في المجلات العلمية عن موضوعات الذاكرة البشرية والتشريح المرضي الانفصامي والإخلالات الجنسية والعلاج النفسي والتنويم المغنطيسي. وقد حظي (ناش)بجوائز عديدة عن كتاباته العلمية والسريرية.



مراجع للاستزادة

Hypnosis for the Seriously Curious. Kenneth Bowers. W. W. Norton, 1983.

Contemporary Hypnosis Research. Erika Fromm and Michael R. Nash. Guilford Press, 1992

التصنيف : ,   التعليقات

0 commentaires:

إرسال تعليق